فصل: مقتل أمية بن خلف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 مقتل أمية بن خلف

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه ، قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثنيه أيضاً عبدالله بن أبي بكر وغيرهما ، عن عبدالرحمن بن عوف قال ‏‏:‏‏ كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة ، وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت حين أسلمت عبدالرحمن ونحن بمكة ، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول ‏‏:‏‏ يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبواك ‏‏؟‏‏ فأقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقول ‏‏:‏‏ فإني لا أعرف الرحمن ، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول ، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف ، قال ‏‏:‏‏ فكان إذا دعاني ‏‏:‏‏ يا عبد عمرو لم أجبه ، قال ‏‏:‏‏ فقلت له ‏‏:‏‏ يا أبا علي ، اجعل ما شئت ، قال ‏‏:‏‏ فأنت عبد الإله ، قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ نعم ، قال ‏‏:‏‏ فكنت إذا مررت به ، قال ‏‏:‏‏ يا عبد الإله فأجيبه ، فأتحدث معه ‏‏.‏‏

حتى إذا كان يوم بدر ، مررت به وهو واقف مع ابنه علي ابن أمية ، آخذ بيده ، ومعي أدراع قد استلبتها فأنا أحملها ‏‏.‏‏ فلما رآني قال لي ‏‏:‏‏ يا عبد عمرو فلم أجبه ، فقال ‏‏:‏‏ يا عبد الإله ، فقلت نعم ، هل لك فيّ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ‏‏.‏‏ قال قلت ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ ها الله ذا ‏‏!‏‏ ‏‏.‏‏ قال فطرحت الأدراع من يدي ، وأخذت ‏بيده ويد ابنه ، وهو يقول ‏‏:‏‏ ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ‏‏؟‏‏ قال ثم خرجت أمشي بهما‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يريد باللبن ، أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالواحد بن أبي عون ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه عبدالرحمن بن عوف ، قال ‏‏:‏‏ قال لي أمية بن خلف ، وأنا بينه وبين ابنه ، آخذ بأيديهما ‏‏:‏‏ يا عبد الإله ، من الرجل منكم المُعْلم بريشة نعامة في صدره ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ذاك حمزة بن عبدالمطلب ؛ قال ‏‏:‏‏ ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ‏‏.‏‏

قال عبدالرحمن ‏‏:‏‏ فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ترك الإسلام ، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت ، فيضجعه على ظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول ‏‏:‏‏ لا تزال هكذا أو تفارقَ دين محمد ؛ فيقول بلال ‏‏:‏‏ أحد أحد - قال ‏‏:‏‏ فلما رآه ؛ قال ‏‏:‏‏ رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ أي بلال ، أبأسيري ، قال ‏‏:‏‏ لا نجوت إن نجا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ أتسمع يا ابن السوداء ، قال ‏‏:‏‏ لا نجوت إن نجا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم صرخ بأعلى صوته ‏‏:‏‏ يا أنصار الله ، رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المُسكة وأنا أذب عنه ، قال ‏‏:‏‏ فأخلف رجل السيف ، فضرب رجل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ انج بنفسك ، ولا نجاء بك فوالله ما أغني عنك شيئا ، قال ‏‏:‏‏ فهبروهما ‏بأسيافهم ، حتى فرغوا منهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكان عبدالرحمن يقول ‏‏:‏‏ يرحم الله بلالا ، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري ‏‏.‏‏

 الملائكة تشهد وقعة بدر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله ابن أبي بكر أنه حُدث عن ابن عباس قال ‏‏:‏‏ حدثني رجل من بني غفار ، قال ‏‏:‏‏ أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ، ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة ، فننتهب مع من ينتهب ، قال ‏‏:‏‏ فبينا نحن في الجبل ، إذ دنت منا سحابة ، فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلا يقول ‏‏:‏‏ أقدم حيزوم ؛ فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه ، فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة ، وكان شهد بدرا ، قال ، بعد أن ذهب بصره ‏‏:‏‏ لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك فيه ولا أتمارى ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن رجال من بني مازن بن النجار ، عن أبي داود المازني ، وكان شهد بدرا ، قال ‏‏:‏‏ إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري ‏‏.‏‏ ‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن مِقسم ، مولى عبدالله ابن الحارث ، عن عبدالله بن عباس ، قال ‏‏:‏‏ كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها على ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمرا ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ‏‏:‏‏ أن علي بن أبي طالب قال ‏‏:‏‏ العمائم ‏‏:‏‏ تيجان العرب ، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا وقد أرخوها على ظهورهم ، إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون ‏‏.‏‏

 مقتل أبي جهل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز ، وهو يقاتل ويقول ‏‏:‏‏

ما تنقم الحرب العوان مني * بازل عامين حديث سني

لمثل هذا ولدتني أمي

شعار المسلمين ببدر

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ‏‏:‏‏ أحد أحد ‏‏.‏‏

عود إلى مقتل أبي جهل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه ، أمر بأبي جهل أن يُلتمس في القتلى ‏‏.‏‏

وكان أول من لقي أبا جهل ، كما حدثني ثور بن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وعبدالله بن أبي بكر أيضاً قد حدثني ذلك ، قالا ‏‏:‏‏ قال معاذ بن عمرو بن الجموح ، أخو بني سلمة ‏‏:‏‏ سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحرجة ‏‏:‏‏ الشجر الملتف ‏‏.‏‏ وفي الحديث عن عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ أنه سأل أعرابيا عن الحرجة ؛ فقال ‏‏:‏‏ هي شجرة من الأشجار لا يوصل إليها ، وهم يقولون ‏‏:‏‏ أبو الحكم لا يخُلص إليه ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه ، فضربته ضربة أطنَّت قدمه بنصف ساقه ، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يُضرب بها ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ وضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمان عثمان ‏‏.‏‏

ثم مر بأبي جهل وهو عقير ، معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، فتركه و به رمق ‏‏.‏‏ وقاتل معوذ حتى قتل ، فمر عبدالله بن مسعود بأبي جهل ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه سلم أن يُلتمس في القتلى ، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - انظروا ، إن خفي عليكم في القتلى ، إلى أثر جرح في ركبته ، فإني ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبدالله بن جدعان ، ونحن غلامان ، وكنت أشف منه بيسير ، فدفعته فوقع على ركبتيه ، فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره به ‏‏.‏‏

قال عبدالله بن مسعود ‏‏:‏‏ فوجدته بآخر رمق فعرفته ، فوضعت رجلي على عنقه - قال ‏‏:‏‏ وقد كان ضبث بي مرة بمكة ، فآذاني ولكزني ، ثم قلت له ‏‏:‏‏ هل أخزاك الله يا عدو الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه ، أخبرني لمن الدائرة اليوم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لله ولرسوله ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ضبث ‏‏:‏‏ قبض عليه ولزمه ‏‏.‏‏ قال ضابىء بن الحارث البرجمي ‏‏:‏‏

فأصبت مما كان بيني وبينكم * من الود مثل الضابث الماءَ باليدِ ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ أعار على رجل قتلتموه ، أخبرني لمن الدائرة اليوم ‏‏؟‏‏

 رأس عدو الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وزعم رجال من بني مخزوم ، أن ابن مسعود كان يقول ‏‏:‏‏ قال لي ‏‏:‏‏ لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رُوَيْعِيَّ الغنم ؛ قال ‏‏:‏‏ ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، هذا رأس عدو الله أبي جهل ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ آللهِ الذي لا إله غيره - قال ‏‏:‏‏ وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ نعم ، والله الذي لا إله غيره ، ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي ‏‏:‏‏ أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص ، ومر به ‏‏:‏‏ إني أراك كأن في نفسك شيئا ، أراك تظن أني قتلت أباك ؛ إني لو قتله لم أعتذر إليك من قتله ، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة ، فأما أبوك فإني مررت به ، وهو يبحث بحث الثور برَوْقه فحُدْتُ عنه ، وقصد له ابن عمه علي فقتله ‏‏.‏‏

 حديث سيف عكاشة بن محصن

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي ، حليف بني عبد شمس بن عبد مناف ، يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب ، فقال ‏‏:‏‏ قاتل بهذا يا عُكَّاشة ، فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه ، فعاد سيفا في يده طويل القامة ، شديد المتن ، أبيض الحديدة ، فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين ، وكان ذلك السيف يسمى ‏‏:‏‏ العون ‏‏.‏‏

ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة ، وهو عنده ، قتله طليحة بن خويلد الأسدي ، فقال طليحة في ذلك ‏‏:‏‏ ‏

فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم * أليسوا و إن لم يسلموا برجال

فإن تك أذاود أصبن ونسوة * فلن تذهبوا فِرْغا بقتل حبال

نصبت لهم صدر الحِمالة إنها * معاودة قِيلَ الكماة نزال

فيوما تراها في الجلال مصونة * ويوما تراها غير ذات جلال

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمي عند حجال

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حبال ‏‏:‏‏ ابن طليحة بن خويلد ‏‏.‏‏ وابن أقرم ‏‏:‏‏ ثابت بن أقرم الأنصاري ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وعكاشة بن محصن الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يدخل الجنة سبعون ألفا من أمتي على صورة القمر ليلة البدر ، قال ‏‏:‏‏ يارسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ؛ قال ‏‏:‏‏ إنك منهم ، أو اللهم اجعله منهم ؛ فقام رجل من الأنصار ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ؛ فقال ‏‏:‏‏ سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة ‏‏.‏‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغنا عن أهله ‏‏:‏‏ منا خير فارس في العرب ؛ قالوا ‏‏:‏‏ ومن هو يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ عكاشة بن محصن ، فقال ضرار بن الأزور الأسدي ‏‏:‏‏ ذلك رجل منا يا رسول الله ؛ قال ‏‏:‏‏ ليس منكم و لكنه منا للحلف ‏‏.‏‏

 حديث بين أبي بكر و ابنه عبدالرحمن يوم بدر

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ونادى أبو بكر الصديق ابنه عبدالرحمن ، وهو يومئذ مع المشركين ، فقال ‏‏:‏‏ أين مالي يا خبيث ‏‏؟‏‏ فقال عبدالرحمن ‏‏:‏‏

لم يبق غير شِكَّة ويعبوبْ * وصارم يقتل ضُلاَّل الشيبْ

فيما ذكر لي عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي ‏‏.‏‏

 طرح المشركين في القليب

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة ، قال ‏‏:‏‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب ، طرحوا فيه ، إلا ما كان من أمية بن خلف ، فإنه انتفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليحركوه ، فتزابل لحمه ، فأقروه ، وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة ‏‏.‏‏

فلما ألقاهم في القليب ، وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا أهل القليب ، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ‏‏؟‏‏ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال له أصحابه ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، أتكلم قوما موتى ‏‏؟‏‏ فقال لهم ‏‏:‏‏ لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا ‏‏.‏‏

قالت عائشة ‏‏:‏‏ والناس يقولون ‏‏:‏‏ لقد سمعوا ما قلت لهم ، وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لقد علموا ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل وهو يقول ‏‏:‏‏ يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام ، فعدد من كان منهم في القليب ‏‏:‏‏ هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؛ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ‏‏؟‏‏ فقال المسلمون ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، أتنادي قوما قد جيَّفوا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم هذه المقالة ‏‏:‏‏ يا أهل القليب ، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس ؛ ثم قال ‏‏:‏‏ هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ‏‏؟‏‏ للمقالة التي قال ‏‏.‏‏

 شعر حسَّان في ذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت ‏‏:‏‏

عرفت ديار زينب بالكثيب * كخط الوحي في الورق القشيب

تداولها الرياح وكل جون * من الوسمي منهمر سكوب

فأمسى رسمها خلقا وأمست * يبابا بعد ساكنها الحبيب

فدع عنك التذكر كل يوم * ورُدَّ حرارة الصدر الكئيب

وخبر بالذي لا عيب فيه * بصدق غير إخبار الكذوب

بما صنع المليك غداة بدر * لنا في المشركين من النصيب

غداة كأن جمعهم حراء * بدت أركانه جنح الغروب

فلاقيناهم منا بجمع * كأُسْد الغاب مردان وشيب

أمام محمد قد وازروه * على الأعداء في لفح الحروب

بأيديهم صورام مرهفات * وكل مجرَّب خاظي الكعوب

بنو الأوس الغطارف وازرتها * بنو النجار في الدين الصليب

فغادرنا أبا جهل صريعا * وعتبة قد تركنا بالجبوب

وشيبة قد تركنا في رجال * ذوي حسب إذا نسبوا حسيب

يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كباكب في القليب ‏

ألم تجدوا كلامي كان حقا * وأمر الله يأخذ بالقلوب ‏‏؟‏‏

فما نطقوا ، ولو نطقوا لقالوا ‏‏:‏‏ * صدقت وكنت ذا رأي مصيب ‏‏!‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب ، أخذ عتبة بن ربيعة ، فسحب إلى القليب ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبي حذيفة بن عتبة ، فإذا هو كئيب قد تغير لونه ، فقال ‏‏:‏‏ يا أبا حذيفة ، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ‏‏؟‏‏ أو كما قال صلى الله عليه وسلم ؛ فقال ‏‏:‏‏ لا ، والله يا رسول الله ، ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام ، فلما رأيت ما أصابه ، وذكرت ما مات عليه من الكفر ، بعد الذي كنت أرجو له ، أحزنني ذلك ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ، وقال له خيرا ‏‏.‏‏

ذكر الفتية الذين نزل فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

وكان الفتية الذين قتلوا ببدر ، فنزل فيهم من القرآن ، فيما ذكر لنا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ‏‏؟‏‏ قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فتية مُسمَّين ‏‏.‏‏

من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ‏‏:‏‏ الحارث بن زمعة بن الأسود بن عبدالمطلب بن أسد ‏‏.‏‏

ومن بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏‏.‏‏

ومن بني جمح ‏‏:‏‏ علي بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ‏‏.‏‏

ومن بني سهم ‏‏:‏‏ العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم ‏‏.‏‏

وذلك أنهم كانوا أسلموا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعا ‏‏.‏‏

 ذكر الفيء ببدر ، واختلاف المسلمين فيه

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما في العسكر ، مما جمع الناس ، فجمع ، فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه ‏‏:‏‏ هو لنا ؛ وقال الذين كانوا يقاتلون العدو و يطلبونه ‏‏:‏‏ والله لولا نحن ما أصبتموه لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم ؛ وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدو ‏‏:‏‏ والله ما أنتم بأحق به منا ، والله لقد رأينا أن نقتل العدو إذ منحنا الله تعالى أكتافه ، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ، ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو ، فقمنا دونه ، فما أنتم بأحق به منا ‏‏.‏‏

قال ابن اسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي - واسمه صدي بن عجلان فيما قال ابن هشام - قال ‏‏:‏‏ سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ؛ فقال ‏‏:‏‏ فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ على السواء ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، قال ‏‏:‏‏ حدثني بعض بني ساعدة ، عن أبي أسيد الساعدي مالك بن ربيعة ، قال ‏‏:‏‏ أصبت سيف بني عائذ المخزوميين الذين يُسمَّى المرزبان يوم بدر ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يردوا ما في أيديهم من النفل ، أقبلت حتى ألقيته في النفل ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا سُئِلَه ، فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم ، فسأله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه إياه ‏‏.‏‏